الأحد، 19 يناير 2014

بطاقة قراءة مدخلية حول كتاب ايمانويل كانط : "نقد العقل المحض/الخالص"(بطاقة قراءة خارجية تركيبية، مختصرة)




بطاقة قراءة مدخلية (Introductive) حول كتاب ايمانويل كانط :
 "نقد العقل المحض/الخالص"([1])
(بطاقة قراءة خارجية تركيبية، مختصرة)

من تقديم: بلقاسم مليكش
باحث طالب ماجستير تخصص فلسفة غربية حديثة (2012-2013)
بالمدرسة الوطنية العليا للأساتذة بوزريعة، الجزائر.
تحت إشراف الأستاذة:                               .
أستاذة وحدة الفلسفة الغربية الحديثة
فهرسة المحتويات:

-         مقدمة في التعريف بكتاب "نقد العقل المحض/الخالص" وتاريخ صدوره.................. ص 01
-         إشكالية بطاقة القراءة.......................................................................... ص 02
-         الترجمة المعتمدة لقراءة الكتاب، ترجماته وطبعاته.......................................... ص 02
-         خطة الكتاب وأجزائه.......................................................................... ص 03
-         مضمون الكتاب:
1-    عنوان الكتاب والهدف من الكتاب....................................................... ص 05
2-    ملخص القراءة للكتاب.................................................................... ص 08
-         خاتمة........................................................................................... ص 09
-         قامة المصادر والمراجع...................................................................... ص 09
-         فهرسة المحتويات............................................................................. ص 10

مقدمة في التعريف بكتاب "نقد العقل المحض/الخالص" وتاريخ صدوره:
يعتبر كتاب "نقد العقل المحض" أو " نقد العقل الخالص" لإيمانويل كانط من أمهات المصادر الفلسفية، بحيث يقول مارتن هايدغر:
 "ينتمي مؤلف "كنت" "نقد العقل المحض" إلى تلك المؤلفات الفلسفية التي يتضح – طالما هناك عموما فلسفة على الأرض – يوما بعد يوم أنها لا تنضب. إنه واحد من تلك المؤلفات التي تكون قد حكمت مسبقا على كل محاولة تريد أن تتجاوزها من طريق تجاهلها فقط."([2])
يقول جورج طرابيشي عن الكتاب:
" صدر في عام 1781 المؤلف الذي سيحدث ثورة في العالم الفلسفي: "نقد العقل الخالص"، وفيه يخرج كانط نهائيا من "سباته الوثوقي" وأعلن للعالم، لا فلسفة جديدة فحسب، بل كذلك منهجا جديدا في النظر إلى المسائل الفلسفية وفي تحليلها، بيد أن أحدا لم يفطن إلى هذه الرسالة في أول الأمر، وإنما في عام 1782 فحسب ظهر في مجلة Gellehrte Anzeigen الصادرة في غوتنغن عرض مغفل من الإمضاء للكتاب (ثبت فيما بعد أن كاتبه هو كريستيان غافه وأن منقحه هو إ إ فيدر) يدعي أن مؤلفه لا يفقه شيئا مما خطته يراعته فيه. وعلى كل حال اشتكى كثرة من أصدقاء كانط من "صعوبة" كتابه، وردا على ناقد المجلة الغوتنغية وتوضيحا للأفكار المتضمنة في "نقد العقل الخالص"، حرر كانط يومئذ "مقدمات لكل ميتافيزيقا مستقبلية تريد أن تعتبر علما" وكان صدورها في عام 1783".([3])
ويقول مارتن هايدغر:
 " عندما نشر "كنت" سنة 1781 "نقد العقل المحض" كان في السنة السابعة والخمسين من عمره. قبل نشر هذا المؤلف ظل "كنت" صامتا لمدة تفوق 10 سنوات. في هذا العقد الذي صمت فيه، من 1770 إلى 1781، كان هولدرلين (Freidrich Holderlin) وهيغل (Hegel) وبتهوفن (Beethoven) لازالو صبية. بعد ست سنوات من النشر الأول للمؤلف ظهرت الطبعة الثانية في سنة 1787. تم تعديل بعض المقاطع وتدقيق بعض الإستدلالات. لكن الطابع العام للمؤلف بقي دون تغيير.
وقف معاصرو "كنت" حائرين إزاء هذا المؤلف. بفضل المستوى العالي لأسئلته، بفضل صرامة بنائه للمفاهيم، بفضل التمفصل البعيد النظر لتساؤله، بفضل حدة لغته وبفضل هدفه الحاسم، بفضل كل ذلك كان هذا المؤلف يجاوز كل ما هو معتاد.
(...) كان هذا المؤلف مثيرا، رغم أنه لم يدرك في مقاصده الجوهرية ورغم أن تناوله تم دائما من جانب خارجي عرضي فقط. نشأ أخذ ورد حماسيين بين الكتابات المعارضة له والمدافعة عنه. بلغ عدد هذه الكتابات 2000 عند وفاة "كنت" 1804."([4])
إشكالية بطاقة القراءة:
-         ما هو المضمون الفكري والفلسفي لكتاب "نقد العقل المحض/الخالص"؟
أي:
-         ما هي خطة وأجزاء الكتاب وعرضه؟ ما هو ملخص محتواه ومضمونه، الفكرة الرئيسية التي يدور حولها ويدافع عنها، والكيفية؟
الترجمة المعتمدة لقراءة الكتاب، ترجماته وطبعاته:
في بطاقة  القراءة هذه اعتمدنا الكتاب مترجما إلى اللغة العربية سنة 1988 كما يتبين من تقديم المترجم موسى وهبة للكتاب أيضا، والمترجم أستاذ الفلسفة الحديثة في الجامعة اللبنانية، بحيث يقول في ترجمته :
"وسأراني سعيدا، إذن، إن جاء نقلي لـ "نقد العقل المحض" قراءة أخرى فيه، وتمرينا، بالتالي، على القول الفلسفي بالعربية.
فالنقد ("نقد العقل المحض") لم يقرأ، بعد، بالعربية لأن الترجمة الوحيدة له لا تقرأ بكل بساطة".([5])
مع إحالة في هامش الصفحة المأخوذ منها القول، بحيث يشرح المترجم:
"لا أريد هنا أن أقلل من الجهد العظيم الذي بذله أحمد الشيباني، في ترجمته الموسومة: "نقد العقل المجرد"، الصادرة عن دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر في بيروت، اهداءا إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز في 1 كانون الثاني 1965. لكني لا أظن أن أحدا استطاع أن يقرأها، وإن جزئيا، بسبب من افتقاد المترجم إلى الصبر، يوم لم يكن لأحد أن يصبر على القراءة والتروي. لكن، رغم ذلك، يبقى للشيباني فضل السبق والإقدام".([6])
ويضيف المترجم في تصديره تحت عنوان "هذه الترجمة":
 "وقد اعتمدت أساسا على النص الذي أخرجه أ.غورلاند وصدر في برلين عام 1923 عن دار كاسيرر بعنوان Kritik der reinem vernunfr von Immanuel Kant ، نقلا عن الطبعة الثانية والكاملة للنقد (أي كتاب نقد العقل المحض/الخالص/المجرد)، التي أصدرها كنط عام 1787. وذلك بالمقارنة مع الطبعة الصادرة في ليبزغ: K.R.V,Verlaz Philipp reclam jun ، عام 1979، والمعتمدة على نص الطبعة الأولى (1781) مضافا إليها تعديلات 1787 في عرض متواز لها مع نص الطبعة الأولى. وبالمقارنة مع الترجمة الفرنسية الصادرة في باريس عام 1980 عن غاليمار في : B.de la Pléade والتي تعتمد نص الطبعة الثانية، والترجمة الفرنسية الأخرى الصادرة عن P.U.F في باريس 1967 والتي تعتمد نص الطبعة الأولى وبهامشها تعديلات الطبعة الثانية".([7])
ويقول المترجم:
"يلاحظ القارئ ترتيبا مختلفا للنص في الصفحات 227-243 ضمنا حيث وضع نصان الواحد لجهة اليمين والآخر لجهة اليسار. وهما نصان منفصلان ومتقابلان بناء على توصية المؤلف (كانط)."([8])
علاوة على أنه:
"تسهيلا لمتابعة مخطط الكتاب اعتمدنا أحجاما مختلفة لعناوين الفصول والأبواب ويحيل القارء على الفهرست المفصل لتكوين فكرة واضحة عن هذا المخطط".([9])
أما مؤلف الكتاب الفيلسوف كانط بذاته، في تقديمه للكتاب، فيقول حول طبعة الكتاب:
"ولم يبق لدي سوى بعض الأمور بالنسبة إلى الطباعة. فلأن بدايتها قد تأخرت بعض الشيء، لم أستطع أن أتسلم سوى نصف المسودات التي وجدت فيها بعض الأخطاء المطبعية، إنما التي لا تحور المعنى، باستثناء تلك التي في الصفحة 379 السطر الرابع انطلاقا من الأسفل حيث يجب أن يقرأ Spezifisch بدل Skeptisch. وقد عرضت نقيضة العقل المحض من الصفحة 425 إلى 461 على شكل لوحة بحيث أن كل ما ينتمي إلى القضية يتتابع دائما على صفحة اليسار، وما ينتمي إلى نقيضها على صفحة اليمين، وهو ترتيب اعتمدته كي يمكن مقارنة القضية ونقيضها بسهولة".([10])
ويهمش المترجم لذلك بـ :
"ص 233 من هذه الطبعة، في الخط العربي، يجب عكس الترتيب فتعرض القضية بجهة اليمين (م.و)".([11])
خطة الكتاب وأجزائه:
حسب هايدغر، سجل كانط نفسه ذات مرة في تأمل أدلى به، إرشادا يتعلق بالحكم على المؤلفات الفلسفية يقول:
"يجب أن يبدأ المرء تقييمه من الكل وأن يوجهه نحو فكرة المؤلف (الكتاب) مع أساسها. الباقي ينتمي للتفصيل الذي يمكن داخله أن تكون بعض الأشياء ناقصة وأن يتم تحسينها. (طبعة الأكاديمية للمؤلفات الكاملة، المجلد XVIII، رقم 5025)".([12])
فالمؤلف يتكون من 415 صفحة في ترجمته هذه التي بين أيدينا المعتمدة لإنجاز بطاقة قرائتنا هذه.
يبدأ الكتاب بـ "تقديم الترجمة العربية بقلم: موسى وهبة" يتضمن تحت العناوين: "قراءة للنقد"، "هذه الترجمة"، "أهم المصطلحات"، "الأعلام"، و"معالم في سيرة كانط".
ويلي تقديم الترجمة العربية، متن كتاب كانط متمثلا في  عنوان "إلى فرنسيس بيكون التجديد الكبير،على سبيل المقدمة"، وإهداء كانط للكتاب في طبعتيه الأولى والثانية بعنوان " إلى معالي وزير الدولة الملكي بارون تسدلتس" ، ثم "تصدير" للطبعة الأولى، يليه "تصدير الطبعة الثانية لتتبعه أجزاء الكتاب وفصوله التي تبدأ بـ "مدخل" تندرج تحته سبعة عناوين هي بالترتيب: "في الفرق بين المعرفة المحضة والأمبيرية"، "لدينا معارف قبلية معينة، حتى الفاهمة العامية لا تخلو من مثلها"، "الفلسفة بحاجة إلى علم يعين امكان المعارف القبلية، ومبادئها وما صدقها"، "في الفرق بين الأحكام التحليلية والتأليفية"، "جميع علوم العقل النظرية تتضمن أحكاما تأليفية قبلية بوصفها مبادئ"، "المشكلة العامة للعقل المحض"، و"فكرة علم خاص إسمه نقد العقل المحض، وأقسامه".
يتكون الكتاب من عنوانين كبيرين تحت أرقام رومانية، تندرج تحتهما أجزاء،كتب، أقسام، أبواب و فصول تضم عناوين مبحثية. يتكون العنوان الكبيرI : "تعليم العناصر الترنسدالي" من الجزء الأول:"الإستيطيقا الترنستدالية"، من فصلين في "المكان" و"الزمان" ثم "خلاصة"، والجزء الثاني: "المنطق الترسندالي"  من مدخل بعنوان "فكرة منطق ترسندالي" بأربعة عناوين فرعية، وقسمين يشملان على أربعة كتب، ثمانية أبواب في سبعة وعشرين فصلا ومدخلين . اما العنوان الكبير II: "تعليم المناهج الترنسدالي" فيتكون من أربعة أبواب وسبعة فصول، لينتهي الكتاب بـ فهرست الكتاب بالتفصيل.
مضمون الكتاب:
1-    عنوان الكتاب والهدف من الكتاب:
كما يقول هايدغر:
"لا نريد هنا أن نتابع الطرق التي وصل عبرها "كنت" ذاته إلى هذا النقد، ولا التاريخ الداخلي والخارجي لنشأة مؤلف نقد العقل المحض. (...) إذا لم نعرف وندرك مسبقا ماذا أراد "كنت" في مؤلفه وماذا انجز فيه. هذا هو وحده ما يهمنا الآن. وبعبارة أدق: ما يهمنا مؤقتا هو فهم العنوان".([13])
فيما يخص الهدف من الكتاب وعنوانه، يقول كانط في تصدير طبعة الكتاب:
"ذلك أنه من العبث التظاهر باللامبالاة بالنسبة إلى مثل تلك الأبحاث التي لا يمكن أن يكون موضوعها لا مبالى به من قبل الطبيعة البشرية. (...) ومع ذلك، فإن هذه اللامبالاة، التي تبرز في خضم ازدهار جميع العلوم والتي تطال بالضبط ذلك العلم الذي قلما نتنازل عن معارفه لو كانت تنال، هي ظاهرة تستحق الإنتباه والتأمل. وهي ليست بالطبع أثرا من آثار الخفة، بل أثر من آثار الحاكمة(*) الناضجةلعصر لم يعد يريد أن يتلهى بعلم ظاهري، وهي النداء الموجه إلى العقل كي يعود فيقوم بأشق مهامه جميعا، عنيت معرفة الذات، وينشئ محكمة تضمن له دعاويه المحقة، لكن تخلصه في المقابل من كل الإدعاءات غير المؤسسة، لا بقرارات تعسفية بل بقوانين خالدة وثابتة، هذه المحكمة هي "نقد العقل المحض" نفسه.
إلا أني أفهم بذلك نقدا، لا للكتب والسساتيم (النظم) بل، بقدرة العقل بعامة بالنسبة إلى جميع المعارف التي يمكن أن ينزع إليها بمعزل عن أي تجربة ، وبالتالي، الفصل في مسألة إمكان أولا إمكان الميتافيزيقا بعامة، وتعيين مصادرها ونطاقها وحدودها، وكل ذلك بناءا على مبادئ.
لقد سلكت إذن هذه الطريق الوحيدة الباقية، وأفخر بأني قد توصلت عبرها إلى إزاحة جميع الأخطاء التي كانت تقسم حتى الآن العقل على نفسه في استعماله المتحرر من التجربة. ولم أنح أسئلته متذرعا بعجز العقل البشري، بل على العكس لقد عينتها تعيينا تاما وفقا لمبادئ، وبعد أن اكتشفت نقطة سوء تفاهم العقل مع نفسه حللتها بما يرضيه تماما."([14])
ويضيف كانط ضمن نفس السياق في تقديمه الثاني للكتاب فيه:
"لأنه كان يوجد في العالم دائما ميتافيزيقا ما ، وستظل توجد بلا شك في المستقبل أيضا، إنما سيصحبها كذلك دياليكتيك للعقل المحض لأنه طبيعي فيه. ولذا فإن غرض الفلسفة الأول والأهم هو أن تخلصه نهائيا من كل تأثير مؤذ بسد مصدر الأخطاء.
رغم هذا التغيير المهم في حقل العلوم، والخسارة التي أصيب بها العقل النظري في ملكيته الخيالية حتى الآن، فإن كل ما يتعلق بالغرض العام للبشرية، وما استفاده العالم حتى الآن من تعاليم العقل المحض سيبقى مع ذلك على فائدته المعهودة. فالخسارة لن تصيب إلا احتكار المدارس، ولن تمس مصلحة البشر على الإطلاق".([15])
وقد ورد في المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا:
"العقل المحض والعقل العملي (Raison pure et Raison pratique)، يطلق (كانت) هذين الإصطلاحين على كل ما هو قبلي في الفكر أي على الملكة المتعالية التي تتضمن مبادئ المعرفة القبلية المستقلة عن التجربة. فإذا نظرت إلى العقل من جهة اشتماله على المبادئ القبلية للمدركات العلمية كان عقلا نظريا أو تأمليا (Raison Theorique ou Spéculative)، وإذا نظرت إليه من جهة اشتماله على المبادئ القبلية لقواعد الأخلاق كان عقلا عمليا(Raison Pratique).
وللعقل عند (كانت) معنى أخص، وهو إطلاقه على الملكة الفكرية العالية التي تولد فينا بعض المعاني المجردة كمعنى النفس ومعنى العالم، ومعنى الله، وهو بهذا المعنى ليس مقابلا للتجربة، وإنما هو مقابل للذهن أو الفهم (Entendement) وله ناحية عملية خاصة، وهي أن مسلمات الأخلاق كمعنى الحرية، وخلود النفس، ووجود الله، متعلقة به".([16])
أما في المعجم الفلسفي عن مجمع اللغة العربية، في الجزء المخصص لـ "عقل" تحت رقم 213 فقد ورد:
"وقسم العقل من قديم إلى نظري (Raison Theorique) ينصب على الإدراك والمعرفة، وعملي (Raison Pratique) ينصب على الأخلاق والسلوك، وعزز كانط هذه التفرقة بكتابيه "نقد العقل النظري"، و"نقد العقل العملي" (Critique de la Raison Pure) و (Critique de la Raison Pratique)".([17])
وكما يقول هايدغر:
"نقدم هذا الإيضاح عن طريق شرح العنوان. هذا الإيضاح مرتب بحيث نجد فورا طريقنا في الموضوع الذي يبتدئبه تأويلنا (قراءتنا) لمؤلف ''كنت''، من دون أن نعرف في البداية المقاطع السابقة من المؤلف("نقد العقل المحض/الخالص").([18])
ونضيف مع هايدغر أيضا:
""نقد العقل المحض" – الكل يعرف معنى نقد ونقد، العقل – الكل يعرف أيضا ما هو الإنسان المعقول أو الإقتراح المعقول وواضح أيضا ما هو محض بالمقارنة مع ما هو غير محض (ماء غير محض مثلا). "نقد العقل المحض" – ومع ذلك لا يمكن أن نتصور بصدد هذا العنوان شيئا صائبا. قبل كل شيئ ينتظر المرء من النقد أن يرفض شيئا غير مرض، غير كاف، أي شيئا سلبيا، أن يتم نقد العقل غير المحض مثلا."([19])
"هكذا تقرر القانونية الداخلية المحضة للعقل انطلاقا من مبادئه ومفاهيمه الأساسية حول كون الكائن، حول شيئية الأشياء. في هذه المعرفة العقلية المحضة يجب أن تنال الحقيقة عن الكائن بالنسبة إلى كل عقل بشري تأسيسها وشكلها كيقين غير قابل للشك ملزم للجميع. العقل المحض في تشكله الذاتي هذا، العقل المحض في طموحه هذا، العقل المحض بصفته المحكمة المرجعية لتعيين شيئية الأشياء عموما – هذا العقل المحض هو ما يخضعه "كنت" للنقد."([20])
"العقل المحض هو العقل وهو يفكر غير مستعين بالتجربة. فكلمة "محض" يقصد بها: المحض من التجربة والملاحظة أي الخالي من كلتيهما، أي العقل الذي يعتمد على ذاته فقط دون الاستعانة بالتجربة والملاحظة".([21])
نعرف  الآن ماذا يعني العقل المحض. بقي أن نسأل:
-         ما معنى النقد؟
يقول هايدغر:
"(...) النقد تمييز وإبراز لما هو خاص، غير معتاد، وبالتالي مرجعي، أصبح أيضا رفضا لما هو معتاد وغير لائق.
ظهرت هذه الدلالة لكلمة نقد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على طريق خاص: في النقاشات حول الفن، حول تشكيل الآثار الفنية والتصرف إزائها. يعني النقد تحديد ما هو مرجعي، تحديد القواعد، يعني وضع القوانين، وهذا يعني في الوقت نفسه إبراز العام إزاء الخاص. في اتجاه الدلالة المعاصر يندرج استعمال "كنت" لكلمة نقد التي وضعها بعد ذلك أيضا في عنوان مؤلفين رئيسيين آخرين: "نقد العقل العملي" و " نقد ملكة الحكم".
لكن الكلمة اتخذت بفضل مؤلف "كنت" معنى أكثر امتلاءا ينبغي الآن أن نحيط بمعالمه. انطلاقا منه فقط يمكن فهم الدلالة السلبية التي لهذه الكلمة لدى "كنت" أيضا".([22])
-         فماذا يعني النقد عند "كنت"؟
وكما يوضح هايدغر:
"نحاول أن نوضح ذلك باستحضار ما عرضناه لحد الآن من دون أن نخوض مباشرة في مؤلف "كنت".
إذا كان النقد يتخذ المعنى الإيجابي الذي حددناه، فإن نقد العقل المحض لن يرفض ببساطة العقل المحض وينتقص منه، لن ينتقده، بل يقصد بالأحرى أن يرسم حدود ماهيته الحاسمة والخاصة وبالتالي الحقة. رسم الحدود هذا ليس في المقام الأول عزلا عن ...، بل حصرا، بمعنى بيان التمفصل الداخلي للعقل المحض. تمييز عناصر بناء العقل المحض بناء عناصره هو إبراز الإمكانيات المختلفة لإستعمال العقل ولقواعد هذا الإستعمال". ([23])
و"يعني نقد العقل المحض حصر تعين كون الكائن، شيئية الشيء، انطلاقا من العقل المحض، يعني: مسح وتصميم مبادئ العقل المحض التي يتحدد على أساسها الشيء في شيئيته.
نستخلص من ذلك وحده أن في هذا النقد يتم تأكيد السمة الأساسية الرياضية للميتافيزيقا الحديثة، أي لتعيين كون الكائن مسبقا انطلاقا من مبادئ. الجهد الحقيقي ينصب على صياغة هذا الرياضي وتأسيسه. تحتاج مبادئ العقل المحض إلى تأسيس وإثبات بحسب طابعها الخاص. يكمن في الوقت نفسه في ماهية المبادئ أنها مترابطة في ما بينها ترابطا مؤسسا، أنها مترابطة بكيفية موحدة على أساس وحدة داخلية. يسمي كنت الوحدة على أساس مبادئ نسقا. هكذا يواجه النقد، كمسح للبناء الداخلي للعقل المحض ولأساس بنائه،مهمة أساسية هي عرض وتأسيس نسق مبادئ العقل المحض".([24] )
"نقد العقل المحض هو أولا اجتياب ومسح ماهيته، هيكله. النقد لا يفند العقل المحض، بل هو ما يضعه في حدود ماهيته ووحدته الداخلية.
النقد هو معرفة ذاتية للعقل الموضوع أمام ذاته وعلى ذاته. النقد هو إنجاز معقولية العقل الأكثر صميمية. يكمل تنوير العقل. العقل هو معرفة انطلاقا من المبادئ الأولى وبالتالي هو ذاته قدرة المبادئ الأولى (Prinzipien) والمبادئ(Grundsatze)(*). يجب إذا على نقد للعقل المحض في معناه الإيجابي أن يكشف مبادئ العقل المحض في وحدتها الداخلية واكتمالها، أي في نسقها".([25])
أما عبد الرحمن بدوي فيقول:
"ومعنى نقد العقل هو الفحص عن قدرة العقل بوجه عام فيما يتعلق بكل المعارف التي يطمح إلى تحصيلها مستقلا عن كل تجربة (...) فنقد العقل المحض هو الفحص عن نظام الأسس القبلية ومقتضيات العلم السابق، التي بفضلها تتم المعرفة العلمية، وذلك ببيان استعمال هذه الأسس القبلية والمقتضيات السابقة في التجربة وتحديد قيمتها في ضمان صحة التجربة".([26])


2-    ملخص القراءة للكتاب:
يقول هايدغر:
"فليس من المستحسن أن يقرأ المرء مسبقا تصدير الطبعة الأولى والطبعة الثانية ولا مقدمتهما، لأن ذلك يفترض نظرة عن المؤلف بأكمله".([27])
ويقول جورج طرابيشي في معجمه :
" يستعيد كانط في "العقل الخالص" المعالم الأولى لنقد الدليل الديكارتي على وجود الله الذي استعاض عنه بدليل آخر هو دليل انطولوجي أيضا والذي وضعه في "الأساس الممكن الوحيد للبرهان على وجود الله"الذي يعود تاريخه إلى سنة 1763."([28])
كما يقول أن كانط:
"قد عارض (...) عدم يقين ظلام الميتافيزيقا بيقين العلوم، وهذه واحدة من الموضوعات التي ستلهم "نقد العقل الخالص"". ([29])
"في باب اللاهوت النظري ينقد "كنت" البراهين الثلاثة الممكنة لإثبات وجود الله بطريقة عقلية، وهي: البرهان الفيزيائي اللاهوتي، البرهان الكوسمولوجي (الكوني)، والبرهان الوجودي.(...) وهكذا ينتهي "النقد" الكنتي إلى رفض موقف المنكرين لوجود الله، وكذلك رفض موقف الدوجماتقيين المثبتين لوجود الله بطريق العقل النظري المحض.
ومع ذلك فإن هذا النقد ليس سلبيا كله، ذلك أن له فائدة سلبية مهمة: إنه مراقبة مستمرة لعقلنا، حين يعني بأفكار محضة، هي من أجل هذا لا تسمح بمقياس آخر غير القاعدة المثالية". ([30])
وفي دليل أكسفورد للفلسفة أن كانط :
"الشاغل الأساسي في تحفته الرائعة Critique of Pure Raison هو إمكان الميتافيزيقا، حين تفهم بوصفها معرفة فلسفية تتجاوز حدود الخبرة".([31])
فيقول عبد الرحمن بدوي:
"ومن هنا كان كتاب "نقد العقل المحض" بحثا في الميتافيزيقا لأنه بحث في نظرية المعرفة وفيه يحاول أن يبين فساد كلا التيارين: النزعة العقلية والنزعة التجريبية: الأولى لتجاوزها حدودها، والثانية لقصورها".([32])
وقد انقسم القسم الأول من "نقد العقل المحض" إلى :
أ‌-  الحساسية المتعالية: وفيه يبين أن الرياضيات تتناول بالضرورة الزمان المكان، وهما شكلان أوليان للحساسية الإنسانية يحددان كل ما يدرك بالحواس.
ب‌-  التحليلات المتعالية: وهي الجزء الأساسي في هذا الكتاب وأصعب أقسامه يقول "كنت" في هذا القسم أن الفيزياء قبلية وتركيبية، لأنها في ترتيبها للتجربة تستخدم تصورات من نوع خاص، يسميها "مقولات" لا تستخلص من التجربة بل تتبين فيها لهذا فإنها قبلية أو محضة وليست تجريبية. إنها ترجع إلى إطارات المعرفة.
ت‌-  الدياليكتيك المتعالي: وفيه يفحص عن الأحكام التركيبية القبلية في الميتافيزيقا. ذلك انها تقطع نفسها عن التجربة الحسية بمحاولتها تجاوزها، ولهذا تعجز عن الوصول إلى حكم تركيبي قبلي حقيقي.
وفي القسم الثاني من الكتاب - وهو لا يمثل إلا سدس الكتاب من حيث عدد الصفحات – يبحث فيما سماه بـ "النظرية المتعالية للمنهج" أو علم المناهج المتعالي، ويقصد به تحديد الأحوال (أو الشروط) الشكلية لنظام تام للعقل المحض.
وحسب عبد الرحمان بدوي:
"والمنهج الذي يستخدمه العقل في نقده لنفسه هو المنهج المتعالي، الذي بموجبه يتبين ما في العقل المحض من شكوك وقوانين. والمتعالي Transzendental هو المتعلق بشروط إمكان التجربة، وبقيمة ما هو قبلي بالنسبة إلى التجربة وموضوعاتها. والمتعالي هو السابق على التجربة، ولكنه داخل نطاق العقل. والفلسفة المتعالية هي علم إمكان المعرفة التركيبية القبلية. إنها لا تبحث في الموضوعات بل في الأصول التي عنها تنشأ المعرفة قبليا، وحدودها".([33])
خاتمة:
يقول هيجل:
" ابتداءا من كانط ينبغي أن يعد الإستقلال المطلق للعقل مبدأ أساسيا للفلسفة وواحدا من اعتقادات عصرنا"([34])
ويقول جول لاشلييه:
"على مدى خمسين عاما ظلوا يبدون إعجابهم بكانط بدون أن يفهموه، ومنذ خمسين عاما صاروا يدحضون كانط بدون أن يفهموه أيضا".([35])
قائمة المصادر والمراجع :
-         المصدر:
1- عمانويل كنط، "نقد العقل المحض، ترجمة وتقديم د.موسى وهبة، مشروع مطاع صفدي للينابيع- II، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، نوفمبر 1988.

-          المراجع:

2- تحرير ت د هوندرش، دليل أكسفورد للفلسفة، ترجمة نجيب الحصادي، المكتب الوطني للبحث والتطوير، الجماهيرية العربية الليبية، بدون سنة.
3- جورج طرابيشي، "معجم الفلاسفة"، دار الطليعة للنشر، بيروت،لبنان، ط3 مفهرسة، 2006.
4- الدكتور جميل صليبا، "المعجم الفلسفي"، ج2، دار الكتاب اللبناني، 1982.
5- عبد الرحمن بدوي، "موسوعة الفلسفة"، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1984، "كنت".
6- مجمع اللغة العربية، "المعجم الفلسفي"، جمهورية مصر العربية، القاهرة، 1983.
7- مارتن هايدغر، "السؤال عن الشيء: حول نظرية المبادئ الترنسندنتالية عند "كنت""، ترجمة د.اسماعيل المصدق، مراجعة موسى وهبة، المنظمة العربية للترجمة،بيروت، لبنان، ط1، أكتوبر 2012.




[1] - عمانويل كنط، "نقد العقل المحض، ترجمة وتقديم د.موسى وهبة، مشروع مطاع صفدي للينابيع- II، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، نوفمبر 1988.
[2] - مارتن هايدغر، "السؤال عن الشيء: حول نظرية المبادئ الترنسندنتالية عند "كنت""، ترجمة د.اسماعيل المصدق، مراجعة موسى وهبة، المنظمة العربية للترجمة،بيروت، لبنان، ط1، أكتوبر 2012، ص99.
[3] - جورج طرابيشي، "معجم الفلاسفة"، دار الطليعة للنشر، بيروت،لبنان، ط3 مفهرسة، 2006، كانط، ص 515.
[4] - مارتن هايدغر، نفس المرجع السابق، ص ص 95-96.
[5] - ع. كنط، نفس المصدر السابق، ص5.
[6] - ع. كنط، نفس المصدر ، في الهامش، ص ص 5-6.
[7] - عمانوئيل كنط، نفس المصدرالسابق ("نقد العقل المحض")، ص 10.
[8] - ع. كنط، نفس المصدر، ص 20.
[9] - ع. كنط، نفس المصدر ، ص 20.
[10] - ع. كنط، نفس المصدر ، ص 30.
[11] - ع. كنط، نفس المصدر ، الهامش، ص 30.
[12] - م. هايدغر، نفس المرجع السابق، ص 168.
[13] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص 163.
*- يقول كانط : "نسمع من حين لآخر شكاوي حول ضحالة نمط التفكير في عصرنا وانحطاط العلم المتعمق. لكني لا أرى أن تلك التي أساسها مدعم جيدا، كالرياضة (الرياضيات) والطبيعيات مثلا، تستحق أدنى اتهام بل إنها على العكس تدعم شهرتها القديمة في التعمق بل وتتخطاها في الآونة الأخيرة. والحال إن الروح نفسه قد يبدو فعالا في أنواع أخرى من المعارف لو كلفنا نفسنا بدءا عناء تصويب مبادئه. أما في غياب ذلك، فاللامبالاة والشك والنقد القاسي أخيرا، تشكل بالأحرى أدلة على نمط التفكير المتعمق. إن عصرنا هو، بخاصة، عصر النقد الذي يجب أن يخضع كل شيء له ويود الدين،عبر قدسيته، والتشريع، عبر جلاله، أن يتملصا منه عادة. لكنهما بذلك يثيران ضدهما ضنونا محقة،ولا يمكنهما أن يطمحا إلى ذلك الإحترام الصادق الذي يوليه العقل لمن يفوز في امتحانه الحر العلني وحسب". ع. كنط، نفس المصدر السابق، الهامش، ص 26.
[14] - ع. كنط، نفس المصدر ، ص ص 26-27.
[15] - ع. كنط، نفس المصدر ، المؤلف(كنط) في "تقديم الطبعة الثانية"، ص 40.
[16] - الدكتور جميل صليبا، "المعجم الفلسفي"، ج2، دار الكتاب اللبناني، 1982، ص 89.
[17] - مجمع اللغة العربية، "المعجم الفلسفي"، جمهورية مصر العربية، القاهرة، 1983، ص 120.
[18] - م. هايدغر، نفس المرجع السابق، ص 110.
[19] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص 110.
[20] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص 162.
[21] - عبد الرحمن بدوي، "موسوعة الفلسفة"، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1984، "كنت"، ص 273.

[22] - م. هايدغر، نفس المرجع السابق، ص 164.
[23] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص ص 164-165.
[24] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص 166.
*- " تترجم عادة Prinzip وكذلك Grundsatz بكلمةمبدأ. لكن هايدغر في تأوبله لـ "كنت" يميز بينهما أحيانا. المبدأ بمعنى Prinzip يضع الأساس للمبدأ بمعنى Grundsatz". م.هايدغر، نفس المرجع السابق، من الهامش، ص168.
[25] - م.هايدغر، نفس المرجع، ص 168.
[26] - عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع السابق، "كنت"، ص ص 272-273.
[27] - م. هايدغر، نفس المرجع، ص 167.
[28] - ج. طرابيشي، نفس المرجع السابق، كانط، ص 515.
[29] - ج. طرابيشي، نفس المرجع، ص 515.
[30] - عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع السابق، "كنت"، ص 281.
[31] - تحرير ت د هوندرش، دليل أكسفورد للفلسفة، ترجمة نجيب الحصادي، المكتب الوطني للبحث والتطوير، الجماهيرية العربية الليبية،...، ص ص 762-763.
[32] - عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، "كنت"، ص 273.
[33] - ع.ر بدوي، نفس المرجع، ص 273.
[34] - ج. طرابيشي، نفس المرجع السابق، كانط، ص 516.
[35] - ج. طرابيشي، نفس المرجع، ص 517.

ليست هناك تعليقات: