الأحد، 19 يناير 2014

جدل هيجل عند ماركس( بطاقة قراءة في الكتاب بعنوان: الجدل الهيغلي، لمؤلفه: إمام عبد الفتاح إمام)




الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي


المدرسة الوطنية العليا لللأساتذة- بوزريعة.
قسم الفلسفة



بحث بعنوان:
جدل هيجل عند ماركس
( بطاقة قراءة في الكتاب بعنوان : الجدل الهيغلي، لمؤلفه : إمام عبد الفتاح إمام)


من تقديم: بلقاسم مليكش                                                   إشراف الأستاذة: الدكتورة شيكو يمينة
ماجستير: فلسفة غربية حديثة                                                                  وحدة: فلسفة التاريخ






السنة الجامعية:
-2012-2013-

فهرست المحتويات:

·       مقدمة
·       التعريف بالمؤلف
·       التعريف بالكتاب (خطة الكتاب)
·       الملخص من الكتاب (المتعلق بالجدل عند هيغل)
-         مصادر الجدل عند هيغل.
-         المنهج الجدلي بخطواته
-         جدل هيغل عند ماركس
-         قوانين الجدل الماركسي والجدل الهيغلي
-         انجلز و "جدل الطبيعة"
·       خاتمة







مقدمة:
شكلت فلسفة هيغل ركنا أساسيا من أركان الفلسفة الغربية الحديثة ولا شك أن فلسفته قد تركت أثرا كبيرا في الفكر الغربي المعاصر ، إن ملاحظة هيغل لمنطق العمليات العقلية الذي يسير عن طريق الوضع والمقابلة والتركيب وربطه بمنطق التطور التاريخي موضوع - نقيض - مركب ، وفي هذا العرض سوف نعرض المنطق الجدلي كما تصوره هيغل في كتبه المنطقية وحسب ماركس أيضا.
وبالرغم من تأثر نظرة هيجل للمنطق بمذهبه الفلسفي إلا أن الجانب الموضوعي في هذا المنطق كان هو الطاغي دوما على رؤيته الفلسفية الذاتية التي لم تكن سوى هوامش على منطقه الجدلي الموضوعي.
وقد أخذت طريقة العرض شكل التلخيص الأجزاء المتعلقة ببحثنا هذا من كتاب المنطق الجدلي عند هيغل للدكتور إمام عبد الفتاح، بعد التعريف بمترجم الكتاب الدكتور إمام عبد الفتاح إمام المتخصص في هيغل، بالإضافة إلى تقديم خطة الكتاب كتعريف له دون ذكر لتاريخ الكتاب وما يتعلق به، مع تعمدنا عدم ترجمة هيغل كما تفرضه أصول بطاقة القراءة، باعتبار أنه أشهر من أن يعرف وأن ملخصنا ضمنيا يعرف بهيغل بطريقة أخرى عن طريق فكره وفلسفته ولو بجزء منها.
التعريف بمؤلف الكتاب([1]):
إمام عبد الفتاح إمام، أكاديمي و مترجم مصري متخصص في الفلسفة والعلوم الإنسانية، درس بجامعة عين شمس وعمل في العديد من الجامعات المصرية والعربية وله مؤلفات وترجمات غزيرة متفاوتة الجودة و الدقة. هو أبرز تلاميذ أستاذ الفلسفة المصري زكي نجيب محمود، وأحد من تولوا التعليق على فكره في الفكر العربي المعاصر. له مساهمات فكرية ذات أثر واسع في الأوساط الثقافية المصرية، وقدَّم إلى المجتمع الثقافي عدد كبير من المترجمين والباحثين.
-         حياته باختصار:
ولد الأستاذ الدكتور إمام عبد الفتاح إمام بالشرقيه عام 1934 لوالد كان من علماء الأزهر. وحصل على الماجستير في الآداب عام 1968، وحصل على الدكتوراة عام 1972.
-         مؤلفاته:
المنهج الجدلي عند هيجل، مدخل إلى الفلسفة، أفكار ومواقف، تطور الجدل بعد هيجل (3 أجزاء)، كيركجارد، رائد الوجودية، جزءان، هوبز فيلسوف العقلانية، الطاغية عدة طبعات، الأخلاق والسياسة، معجم ديانات وأساطير العالم، الفيلسوف والمرأة (سلسلة في ثمان أجزاء)، سلسلة المرأة في الفلسفة، تطور هيجل الروحي، دراسات في الفلسفة السياسية عند هيجل.
-         ترجماته:
ترجم الدكتور إمام عبد الفتاح إمام عددا كبيرا من الأعمال من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية. كما يُعد الدكتور إمام عبد الفتاح صاحب مدرسة في الترجمة حيث قام بمراجعة ترجمات عديدة لمترجمين واعدين برزوا فيما بعد من أمثال ممدوح عبد المنعم وحمدي الجابري وكمال المصري وفاطمة الشايجي (الكويت). و قد أُثيرت شكوك بشأن صحة نسبة كل هذه الترجمات إلى الدكتور إمام عبد الفتاح، و ذلك بسبب التفاوت الواضح في جودتها ودقتها ورصانتها، علاوة على نشر كم هائل من النصوص المترجمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً (بيد أن هذه الملاحظة الأخيرة مردود عليها بكونه متفرغ تماماً للعمل بالبحث والترجمة والتأليف ويكاد لا يرى الشارع إلا في أضيق الحدود). ومن أهم الأعمال التي ترجمها الأستاذ الدكتور إمام عبد الفتاح إمام ما يلي: فلسفة التاريخ، هيجل، أصول فلسفة الحق، هيجل، ظاهريات الروح، هيجل، محاضرات في تاريخ الفلسفة، هيجل، استعباد النساء، جون ستيوارت مل، الوجودية، جون ماكويى، موسوعة العلوم الفلسفية، هيجل.
-         بحوثه:
رحلة في فكر زكي نجيب محمود، هيباشيا فيلسوفة الإسكندرية، مفهوم التهكم عند كيركجارد، الديمقراطية.
-         أفكاره:
الأستاذ الدكتور إمام عبد الفتاح إمام صاحب مواقف فلسفية-سياسية بارزة. ويمكن القول إجمالا بأنه يتبنى منهجاً وسطيا في السياسة، إلا أن هذا الموقف يميل كثيرا تجاه اليسار عندما يتعلق الأمر بالأوضاع السياسية في العالم العربي. ويمكن أن إيجاز أهم آرائه السياسية على النحو التالي:
  • أن الحكم لا يستقيم أبدا طالما تداخلت معه أمور من قبيل (الدولة الدينية، والمستبد العادل...الخ)
  • ضرورة الفصل التام بين السياسة والأخلاق، فلكل منهما مضماره (راجع في ذلك كتابه "الأخلاق والسلطة")
  • أن التاريخ الإسلامي قد حفل بمفارقات فساد السلطة (راجع في ذلك كتابه "الطاغيةوقد أثار الكتاب اهتماما واسعاً في الأوساط الثقافية العربية لما يحتويه من تحليل متعمق وموضوعي لتجارب الطغيان في العالم العربي.)
  • أن مناقب الحكم في الوطن العربي أساسها هو عزوف الشعوب عن المطالبة بحقوقها إما عن جهل (ومنشأ ذلك عدم شيوع التفكير لدى غالبية أفراد الأمة) أو عن يأس (ومنشأ ذلك أيضا هو عدم تدبر الشعوب العربية للتاريخ السياسي للأمة ذاتها أو لأمم العالم الغربي).
  • لا سبيل للتقدم العلمي أو الاجتماعي أو الإنساني في الوطن العربي سوي بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدي ومتمكنة من أدوات العقل. (راجع في ذلك كتابه "مدخل إلى الفلسفة" وكتيب "الفلسفة".)
التعريف بالكتاب (خطة الكتاب):
المنطق الجدلي عند هيغل
الباب الأول: معالم على الطريق
الفصل الأول: المنطق والجدل
الفصل الثاني : مصادر الجدل الهيغلي: أ- اللاهوت : المحبة. ب- الفلسفة: أولا: الفلسفة اليونانية: 1-زينون الايلي، 2- هيراقليطس، 3- جورجياس، 4- سقراط ، 5- أفلاطون. ثانيا : الفلسفة الحديثة : 1- اسبينوزا، 2- كانط، 3- فشته، 4- شلنج.
خاتمة الباب الأول.
الباب الثاني : شعاب الطريق
الفصل الأول: أولا: الوعي المباشر : 1- الوعي الحسي أو اليقين الحسي، 2- الإدراك الحسي ، 3- الفهم.ثانيا: الوعي الذاتي. ثالثا: مرحلة العقل .
الفصل الثاني: المقولات: أولا : ما المقولة؟ ثانيا : أضلاع المثلث الجدلي
بداية الطريق.
خاتمة
الباب الثالث: طريق الجدل
الفصل الأول: الوجود: أ- الكيف: أولا: الوجود: 1- الوجود الخالص، 2- الصيرورة، 3- الوجود والعدم. ثانيا: الوجود المتعين، الحد، الأخرية، اللامتناهي الزائف، اللامتناهي الحقيقي، الوجود للذات. ب- الكم: أولا : الكم الخالص: 1- الكم الخالص، 2- المقدار المنفصل والمتصل، 3- تحديد الكم. ثانيا:الكمية: 1- الكمية، 2- الجملة والاتحاد، 3- العدد. ثالثا: الدرجة: 1- الدرجة، 2- التسلسل الكلي اللامتناهي، 3- النسبة الكمية. ج- القدر: 1- الكمية النوعية، 2- ما لا قدر له، 3- اللامتناهي الحقيقي في دائرة القدر .
الفصل الثاني: الماهية: تمهيد. أ-الماهية باعتبارها أساسا للوجود: أولا: المبادئ الخالصة أو مقولات الفكر النظري: 1- الهوية، 2- الاختلاف: التنوع، المشابهة والمخالفة، التضاد. 3- الأساس. ثانيا: الوجود الفعلي. ثالثا: الشيء: 1- الشيء و خواصه : أ- الانعكاس في الذات. ب- الانعكاس في الأخر . 2- الشيء والمواد. 3- المادة والصورة. ب-الظاهر: 1- عالم الظاهر، 2-المضمون والشكل، 3- الإضافة: - الكل والأجزاء، - القوة ومظهر تحققها، - الجواني والبراني. ج- الحقيقة الواقعية أو الوجود بالفعل: 1- الجوهر والعرض، 2- السبب والنتيجة، 3- التفاعل.
الفصل الثالث: الفكرة الشاملة: تمهيد . أ- الفكر الذاتي : أولا: الفكرة الشاملة بما هي كذلك. ثانيا: الحكم: 1-الحكم الكيفي: الحكم الموجب، الحكم السالب، الحكم المعدول. 2- حكم الانعكاس: الحكم الفردي، الحكم الجزئي، الحكم الكلي. 3- حكم الضرورة: الحكم الحملي، الحكم الشرطي المتصل، الحكم الشرطي المنفصل. 4- حكم الفكرة: الحكم الإخباري، الحكم اليقيني. ثالثا: القياس: 1- القياس الكيفي، 2- قياس الانعكاس، 3- قياس الضرورة. ب- الفكر الموضوعي: 1- الآلية، 2- الكيميائية، 3- الغائية. ج- الفكرة: 1- الحياة، 2- المعرفة:  (أ) المعرفة المناسبة،(ب) الإرادة. 3- الفكرة المطلقة.
الباب الرابع: نتائج وأثار
الفصل الأول: الجدل الماركسي: أولا- محاولات غريبة. ثانيا- ماركس يقلب الجدل الهيغلي: 1- القانون الأول : التغير من الكم إلى الكيف والعكس، 2- القانون الثاني: صراع الأضداد وتداخلها، 3- القانون الثالث- نفي النفي. رابعا: المقولات. خامسا : انجلز و "جدل الطبيعة". سادسا: كلمة ختام.
الفصل الثاني: نقد وتقدير: 1- المنطق الهيغلي بين أنصاره وخصومه، 2- النقد، 3- تقدير.

الملخص من الكتاب (المتعلق بالجدل عند هيجل):
مصادر الجدل عند هيغل:
يقال أن زينون الايلي هو أول من استخدم مصطلح الجدل ... وكانت عبارة عن نقاش وتسليم أولي بهجوم الخصم ثم إثبات نفيه أي نفي الهجوم وتفكيكه.
يقول هيغل :
"إني لأجد شيئا مميزا عند زينون وهو الوعي بأن سلب التعين تعين، بمعنى أن الإنسان حين ينكر تعينا ما بأن هذا الإنكار أو هذا السلب هو نفسه تعين جديد"([2]). ويقول أيضا: "لن تجد عبارة قالها هيراقليطس إلا واحتضنتها في منطقي"
هيغل يعجب بجورجياس لأنه درس الجدل كما هو موجود في الفكر الخالص . أي أنه درس المقولات الخالصة , ثم بين أنها إذا درست في نقائها الخالص تؤدي إلى "السلب" فالوجود يصل بنا إلى العدم، والواحد ينتقل إلى الكثير، فينتقل الكثير إلى الواحد وهو إن كان قد انتهى إلى إنكار هذه المقولات إذا فصل بعضها عن بعض وقطع ما بينها من ارتباط ضروري فإنها لن تكون حقيقية، وبمعنى أخر أثبت  أن تطبيق مبدأ الفهم "إما- أو" على المقولات يفقدها حقيقتها ويظهرها في عناد متبادل.
ويرى هيغل أن سقراط عبر عن الجدل في صورتها الذاتية بصفة خاصة، وهي الصورة التي تبدو في التهكم، فقد اعتاد أن يمارس جدله ضد المفاهيم والتصورات الشائعة، حيث كان سقراط يسخر من خصومه بطريقة حوارية .
الجدل عند أفلاطون هو المنهج الذي به ترتفع النفس من المحسوس إلى المعقول دون أن تستخدم شيئا محسوسا وذلك بالانتقال من فكرة إلى فكرة بوساطة فكرة. فأفلاطون كما يرى هيغل:
" يتقدم الآن ليضم الجدل الموضوعي عند هيراقليطس إلى الجدل الايلي الذي كان محاولة خارجية للذات تحاول فيها إظهار التناقض، ثم هو فضلا عن ذلك قد عبر عن الفكر الأخلاقي عند سقراط وحوله من فكر ذاتي إلى فكر موضوعي هو المثال الذي يجمع بين الفكر الكلي والموضوعي، ومن هنا نرى في وضوح أن الفلسفات السابقة على أفلاطون لم تختلف بنقد أفلاطون لها، إنما نراه يمتصها في فلسفته".
والفكرة الأولى التي أخذ بها هيغل واعترف صراحة أن سبينوزا أول من صاغها في مبدأ واضح هي القول بأن "كل تعين سلب" وأن جميع التحديدات عبارة عن سلب، أي أنه كل تعين سلب يستلزم كل سلب تعين
المنهج الجدلي بخطواته:
يصف هيغل المنهج الجدلي ذو الثلاث خطوات بقوله: إن الخطوة الأولى من عمل الفهم والثانية من عمل العقل السلبي والثالثة من عمل العقل الايجابي . ويرى هيغل أن المثلث الجدلي يتصف بالخصائص الآتية: الضلع الأول "مباشرة" أو يتصف بالمباشرة، الضلع الثاني "متوسط"، والضلع الثالث يجمع بينهما، أي أنه المباشر الذي دخله التوسط . ويطلق هيغل على الضلع الأول من كل مثلث مصطلحا خاصا هو "ما هو في ذاته" أي ما هو ضمني أو ما هو بالقوة بلغة أرسطو، وعلى الضلع الثالث "اسم ما هو لذاته" أي ما هو صريح أو علانية أو بالفعل .
إن المنهج الجدلي عند هيغل منهج موضوعي وليس منهج ذاتيا يضمنه الباحث لنفسه، وهو موضوعي لأنه يعبر عن نشاط العقل الموضوعي كما يتمثل في حركة المقولات وتسلسلها. بدأ الجدل سيره بالوجود الخالص، ثم اتضح لنا أن حقيقة هذا الوجود الخالص هي الصيرورة . غير أن الصيرورة لم تكن سوى قنطرة ومعبر إلى الوجود المتعين، وظهرت حقيقة هذا الوجود المتعين في الأخرية، ثم اتضح لنا أن نتيجة الأخرية هي الوجود للذات محررا من الارتباط بالأخر ومن العبور إلى الأخر ... وانتهينا إلى أن الوجود للذات هو للطرد والجذب واتضح أن الطرد والجذب يلغيان نفسيهما (لأن كل منهما ينتقل إلى الأخر) وبالتالي ينسخان الكيف كله في جميع مراحله .وهذا الكيف الملغى أو المنسوخ ليس عدما مجردا، كما أنه ليس وجودا خالصا , إنه لا يتأثر بالتعين "أو الكيف" و هذا الوجود الذي لا يتأثر بالكيف هو : الكم([3]).
إذن الكم والكيف متحدان، لأن الكيف يتحول إلى الكم، والكم يعود بدوره ويتحول إلى كيف من جديد، وبالتالي فكل منهما يتحول إلى الأخر، وإذن فهما متحدان، غير أن القول بأن كلا منهما يتحول إلى الأخر يتضمن أنهما متباينان، لأن تحول الشيء إلى شيء أخر يعني أن الشيء الثاني مختلف عن الشيء الأول، وإلا لما كان هنالك تحول وعلى ذلك يكون لدينا جانبان : جانب اتحاد الكم والكيف في هوية واحدة، وجانب اختلافهما أو تباينهما، ويؤدي ذلك إلى ظهور طبقتين للوجود : الطبقة السفلى وهي الوحدة الذاتية أو الاتحاد الدائم، أو الوجود غير المتميز، وهي طبقة تقوم على تبيان الكم والكيف ... وهذا التصور المزدوج للوجود هو الماهية ([4]).
ويمكن أن نعتبر الماهية وصفا أو تعريفا لله , فالمطلق هو ماهية العالم أو الوجود المختبئ وراء العالم على أنه مصدره غير المرئي وهو تعريف قالت به الهندوسية والفكر الشرقي بصفة عامة .
بدأ المنهج الجدلي سيره بدائرة الوجود، ثم بين لنا أن هذه الدائرة لا يمكن أن تقوم بذاتها ولكنها لا أن تسلمنا إلى دائرة أخرى تمثل درجة أعلى في سلم المعرفة وهذه الدائرة هي الماهية. وها نحن أولاء نصل إلى القسم الثالث والأخير الذي يعتبر أعلى درجات المعرفة. فإذا كانت مقولات الوجود تمثل درجة  دنيا من المعرفة. فإن مقولات الماهية تمثل معرفة الفهم، في حين أن المقولات الفكرة الشاملة هي أساس المعرفة العقلية بصفة خاصة. إذ ليس الوجود والماهية إلا لحظتين من لحظات الفكر... ومعنى ذلك أن الفكر هو حقيقتهما وهو أساسهما لأنه الهوية التي تجمعهما معا... ومعناه أيضا أن الوجود والماهية تضمنتا البذور الأولى للفكرة الشاملة. وعودة إلى العرض والجوهر حيث الأول هو نفسه ما يخرجه الجوهر من نفسه فإنه كذلك جوهر، والعلاقة بين جوهرين أحدهما فاعل والثاني منفعل، وهذه العلاقة هي علاقة السبب والنتيجة، فالجوهر الأول هو السبب والجوهر الثاني هو النتيجة . ولكن طالما أن النتيجة جوهر فهي لذلك سبب يؤثر مع ضده في هوية واحدة بحيث يختفي التمييز بين السبب والنتيجة فيصبح السبب نتيجة وتصبح النتيجة سببا، ومن هنا يصبح الجوهران جوهر واحدا فحسب، بمعنى أن الضد ليس شيئا مختلفا وإنما هو نفسه الجوهر، ومعنى ذلك أن الجوهر يبقى في التضاد في هوية واحدة مع نفسه وهذا هو تعريف الفكر.
بقي بعد ذلك أن نعرف معنى قولنا إن الفكر هو مبدأ الحرية، وذلك سيتطلب منا أن نعود مرة ثانية إلى مقولات الماهية حيث نجد أن عنصر الضرورة الكامن في مقولة الجوهر والعرض قد تطور من خلال مقولة السبب والنتيجة بحيث لا يكونان لحظتين ترتبطان ضرورة وإنما تصبحان وجهين لنشاط حر وهكذا يتضح لنا ان حقيقة الضرورة هي الحرية وعلى هذا النحو ننتقل من دائرة الماهية إلى دائرة الفكر الشاملة . ووجهة النظر العامة لدائرة الفكر الشاملة هي أن كل الأشياء عبارة عن فكر ولكن الفكر له جانبان هما: الذات والموضوع. ومن هنا سنجد أن كل جانب من هذين الجانبين يركز عليه بادئ ذي بدء تركيزا تجريديا، فيوصف الكون أولا بأنه ذات، ثم يوصف-ثانيا- بأنه موضوع، وفي النهاية يرفع هذا الانفصال وتوصف طبيعة الكون بنها الفكر الذي لاهو ذات فحسب ولا هو موضوع فقط وإنما هو الذات والموضوع في أن معا([5]).
جدل هيغل عند ماركس:
يقول لينين:
"إذ ليس الشوفان وحده الذي ينبت وفقا لإيقاع المنهج الجدلي بل إن الاشتراكيين الديمقراطيين الروس أنفسهم لا يقتتلون إلا تبعا لهذا المنهج نفسه..."
إن الماركسية لم تتأثر بمنطق هيغل وإنما نقلت عنه نصا وروحا دون أن تضيف إلى الجدل الهيغلي إضافة واحدة، حتى أنه لا يجوز أن يقال إن هنالك ما يمكن تسميته "بالجدل الماركسي" وإنما على أدق تعبير استخدام الماركسية للجدل الهيغلي هو ذلك الذي جاء على لسان لينين في دعوته للرفاق للانتظام في جماعة تحمل اسم"الأصدقاء الماديين للجدل الهيغلي".
الأثر الهيغلي على الماركسية بصفة عامة لا يمكن أن يوضع في صف واحد مع أي أثر آخر، وعلى ذلك فمن الضلال أن نقرن أثر هيغل بأثر فيورباخ. إذ فضلا عن أن مادية فيورباخ قد خرجت من أحشاء المذهب الهيغلي نفسه، فإنها وبغير الجدل الهيغلي لا وزن لها .
إنه على الرغم من أن ماركس كان يسلم بأن الجدل الهيغلي هو الصورة الوحيدة لجميع أنواع الجدل , إلا انه كان يعيب على هيغل تطبيقه المثالي لهذا الجدل. بالإضافة إلى أنه كان يؤمن بأن حياة المنهج تكمن في تطبيقه.
وإن هيغل كان يوحد بين المنهج الجدلي ومذهبه المثالي ويربط بينهما برباط وثيق. والماركسية نفسها تساير هيغل في ذلك فتوحد بين المنهج الجدلي والمذهب المادي.
نقطة الخلاف الرئيسية بين هيغل وماركس تكمن أساسا في تصور كل منهما للكون أو بدقة أكثر في تحديد كل منهما للعلاقة بين الفكر والوجود، وأيهما يسبق الأخر منطقيا: هيغل يرى أن الفكر هو الشرط الأساسي وهو المبدأ الأول للكون. في حين أن ماركس يرفض هذه النظرة المثالية ويرى أن الطبيعة هي الأساس الأول وهي الشرط المنطقي لوجود الفكر والحياة الروحية بأسرها. ونقطة الخلاف هذه لا تمس المنهج لا من قريب ولا من بعيد فأيا ما كانت نقطة البدء، وأيا ما كان موضوع الفلسفة وأيا ما كان تصورهما الفلسفي عن العالم فهما متفقان في أن طريق السير الصحيح ليس شيئا أخر غير الطريق الجدلي المرصوف بالمقولات الهيغلية.
أوضح أنجلز نقطة التعارض هذه بين الفلسفتين بإسهاب وتفصيل في مقاله عن فيورباخ حين تحث عن نشأة الماركسية "كتيار خصب" خرج من انحلال المدرسة الهيغلية وكيف أنهم شقوا طريقا مخالفا للهيغلية في النظر إلى العالم "ووطدنا العزم على التضحية بكل مثالي لا يتفق معنا في النظر إلى الواقع كما هو لا بشكل خيالي" وهذه هو أساس الخلاف مع الهيغلية "(...)غير أن هيغل لم يستبعد تماما بل على العكس لقد اتخذنا نقطة البدء من الجانب الثوري في فلسفته وأعني منهجه الجدلي". قوانين "الجدل الماركسي" ومقولاته تؤيد هذا التفسير:
قوانين الجدل الماركسي والجدل الهيغلي:
تلك مقدمة نخلص منها إلى النتيجة التالية- بذلك تكون الماركسية قد نقلت الجدل الهيغلي كما هو بنصه دون أن تقلبه , ودون أن تضيف إليه إضافة واحدة , وبناء عليه لا يجوز أن يقال إن هنالك ما يمكن تسميته "بالجدل الماركسي" الذي يقابل "الجدل الهيغلي".
القانون الأول: التغير من الكم إلى الكيف والعكس:
وهذا هو باختصار شديد القانون الأول من القوانين الأساسية للجدل الماركسي، وهو منقول بنصه عن منطق هيغل.
ويمكن أن نتساءل: كيف وبأي معنى استطاع ماركس أن يقلب مقولة الكمية النوعية عند هيغل وهي المقولة التي جعلتها الماركسية أول قانون من قانون الجدل؟
القانون الثاني: صراع الأضداد وتداخلها
وليس فيه من جديد أضافته الماركسية إلى فكرة صراع الأضداد عند هيغل ذلك الصراع الذي كان يطلق عليه اسم مبدأ "السلب" ويصفه بأنه الروح التي تبعث الحياة في العالم المادي والروحي على السواء , وهو أيضا صراع باطني وداخلي ومحدد وهو مصدر الحركة والتطور([6]).
القانون الثالث: نفي النفي
خذ مثلا "أ" فلو سلبناها لكان عندنا "(-)أ" ولو أننا عدنا من جديد ونفينا هذا النفي نفسه بأن ضربنا "(-)أ" * "(-)أ" لكان عندنا : أ (أس اثنين) أي أن العدد الأصلي الموجب ولكن في درجة أعلى.
وهذا هو القانون الثالث والأخير من القوانين الأساسية للجدل الماركسي وليس فيه جديد على فكرة النفي عند هيغل. والواقع أن أنجلز وهو يضرب الأمثلة السابقة في كتابه ضد دوهرنج كان يسمي هذا القانون دائما باسم"قانون نفي النفي الهيغلي"([7]).

أما أن هذه الأفكار ظلت عند هيغل مقولات ولم يطلق عليها اسم القوانين الأساسية للجدل فذلك راجع إلى أنه كان يحلل الجدل نفسه في المنطق ولم يكن يضع له قوانين.
إذا كانت الماركسية قد شرحت قانون الأضداد بأمثلة عينية في ميدان الطبيعة أو ميدان العلوم الاجتماعية، فإن هيغل لم يتحدث عن أضداد الفكر فحسب، بل شرح هذه الفكرة بأمثلة عينية بالغة العمل ولم تقتصر هذه الأمثلة على الطبيعة والتاريخ أو الفلسفة فحسب، بل امتدت إلى العلاقات الاجتماعية نفسها وهذا واضح في مؤلفاته المختلفة، فهو في ظاهريات الروح مثلا يحلل العلاقة بين العبد والسيد ويذهب إلى أن العبد بفضل عمله ونشاطه يصل إلى الاستقلال الذاتي، ولا يصبح موضوعا لاستغلال الآخرين، وإنما يصبح شخصية مستقلة تحددها "أفعاله وإرادته" في حين ينقلب السيد عبدا تابعا لمولاه، وهذا التحليل هو الذي وقفت الماركسية وغيرها من النظم الاشتراكية الأخرى تتأمله طويلا كما يقول جان بول سارتر وفندليو وغيرهما([8]). فهنالك باختصار مئات المئات من الأمثلة العينية والوقائع التجريبية التي قدمها هيغل ثم ترددت بعد ذلك كشرح "للقوانين الأساسية للجدل الماركسي". ويقول انجلز أن دراسة صور الفكر وتحديداته عملية هامة جدا وضرورية للغاية وهذا العمل لم يضطلع به أحد منذ أرسطو غير هيغل.
انجلز و "جدل الطبيعة":
عرضنا فيما سبق لبعض المقولات الماركسية ورأينا أنها لا تحتوي فكرة واحدة لم ترد بنص هيغل. ومن ذلك يتضح لنا أنه ليس هنالك ما يمكن تسميته"بالجدل الماركسي" ولا"بمقولات الجدل الماركسي" بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وإنما هنالك الجدل الهيغلي كما طبقته الماركسية في هذا الميدان أو ذاك.
إن كل ما كان ينشده إنجلز هو مراجعة هذه الفكرة"الجدل" على ضوء المكتشفات العلمية الحديثة التي ظهرت بعد وفاة هيغل، وهذا واضح حتى تصنيفه للعلوم الطبيعية تصنيفا يكاد يتفق مع التصنيف الهيغلي السابق.
خاتمة:
يقول لينين في مذكراته الفلسفية :
"في هذا الكتاب"المنطق"(لهيغل) وهو عمل هيغلي مثالي، نجد القليل من المثالية والكثير من المادية، أليس تناقضا ؟ لكنه حقيقة....!"
والتناقض الذي يشير إليه لينين هنا هو ارتباط هذا المنطق الجدل بمذهب هيغل المثالي، أو وجود هذه "النواة العقلية" في قلب ذلك "الغلاف الصوفي"([9]).
وتوضيحا عن ربط الجدل بالطبيعة عند انجلز وحقيقتها عند هيغل:
أولا: إن التسليم بوجود صراع بين الأضداد الكامنة في جوف الأشياء لا يكون له معنى إلا في حالة واحدة فقط هي التسليم ولو بطريقة ضمنية بوجود لون من ألوان الوعي في الطبيعة، ومن هنا فقد كان لهيغل ما يبرره في حدود مذهبه حين مد نطاق الجدل إلى الطبيعة.
ثانيا: إن القول بأن الطبيعة تسير من الأدنى إلى الأعلى يعني القول بوجود غاية تسعى الطبيعة إلى تحقيقها، وما لم تتحرك الطبيعة نحو غاية فلن يكون هنالك تقدما ... ولا يزودنا العلم الحديث بهذه الغاية، أما عند هيغل فالغاية هي التحقق الفعلي للعقل أو الفكرة الشاملة في العالم، وهذه الغاية تبلغ مداها – إلى حد ما على الأقل – في الإنسان فهو الموجود العاقل.
ثالثا: القول بأن "بأن العالم كل واحد" وأن قوانين الجدل في الطبيعة هي نفسها قوانين الجدل في الحياة الإنسانية ، يعني أن الطبيعة كلها واعية وهي عبارة لا يستطيع قبولها إلا الفيلسوف الهيغلي المثالي وحده .
رابعا: إذا جاز لفيلسوف مثالي مثل هيغل أن يرى تطور المعرفة البشرية صورة من صورة التطور الجدلي للفكر، فكيف يجوز لرجل مادي أن يتبنى هذه الفكرة .
خامسا: إذا كان انجلز يعيب على هيغل أن يفرض نسق الفكر على الكون فإن هذا هو في الواقع ما يفعله انجلز نفسه بشكل أكثر تعسفا، وإلا فماذا نقول في رجل يخبرنا أن تطور العالم المادي والروحي على السواء تحكمه ثلاثة قوانين لا أكثر ولا أقل ؟؟؟



[1] - ويكيبيديا، جوان 2013.
[2] - ص  45.
[3] - ص 196.
[4] - ص 185.
[5] - ص 231.
[6] - ص 310.
[7] - ص 312.
[8] - ص 314.
[9] - ص 327.

ليست هناك تعليقات: